قال مدير إدارة العلوم والتكنولوجيا في مركز أبحاث الطاقة
والبناء في معهد الكويت للأبحاث العلمية د. أسامه عبدالله الصايغ ان التعامل
مع ملف نظام الطاقة المستدام في الكويت يجب ان يكون أولوية وطنية وعلى
مستوى عال من الجدية، مضيفا لا يجب أن تقع مسؤولية التنفيذ في التشريع والتقنين
والتطبيق على عاتق مؤسسة أو مؤسستين، وانما نجاح وفاعلية التنفيذ يتوجب تكليف جهة
تنفيذية عليا وذلك عن طريق تأسيس مجلس وطني للطاقة تحت مظلة مجلس الوزراء أو
توسيع نطاق مسئوليات المجلس الأعلى للبترول القانونية والتنظيمية ليشمل جانب الطلب
على الطاقة بالإضافة إلى إدارة موارد الطاقة، حيثتشمل عضوية القياديين من جميع
المؤسسات الحكومية المعنية بشؤون الطاقة سواء كانت تشغيلية وتمويلية ولوجستية
وبحثية وأكاديمية.
واضاف ان مجلس الطاقة يمارس صلاحيته من خلال المؤسسات الأعضاء بوضع
السياسات والتشريعات القانونية اللازمة للمضي قدما في تأسيس نظام الطاقة
المستدام،لافتا الى اننا ربما لن نصل إلى نظام طاقة مستدام كامل بنسبة 100%، ولكن
بالتأكيد سنخفض الاستهلاك بنسبة قد تصل إلى 50% وهذا سينعكس بالإيجاب على اقتصاد
وبيئتة البلاد وحتما سيعطي الأجيال القادمة حياة أفضل.
واشار الى ان الحفاظ على مصادر الطاقة وإدارة هذه المصادر بكفاءة
تعتبر من الأمور التي لا غنى عنها لدعم النمو الاقتصادي والحفاظ على مستوى معيشة
مرتفع ضمن القيود المالية والبيئية السائدة، مضيفا انه من الضروري عند وضع خطط
اقتصادية تنموية طويلة المدى، إجراء تقييم نقدي لوضع القطاعات المزودة والمستهلكة
للطاقة في الدولة، فإذا أخذنا بعنين الاعتبار وضع الطاقة وتأثيرها على الاقتصاد
والبيئة في الكويت، يتبين أن هناك حاجة ماسة لتأسيس نظام طاقة مستدام للبلاد.
نمط استهلاكي
واوضح الصايغ أن التقرير الإحصائي السنوي2013 لمنظمة الأقطار
العربية المصدرة للبترول (OAPEC) بين ان معدل انتاج الكويت في عام 2012 بلغ 2.9
مليون برميل نفط يوميا، كما أنتجت في نفس العام 15.5 مليار متر مكعب من الغاز
أي معدل 42.5 مليون متر مكعب في اليوم تقريبا، لافتا الى ان مجموع الاستهلاك
المحلي من الوقود النفطي والغازي في ذلك العام في قطاعات توليد الكهرباء وتحلية
المياه والمواصلات والصناعة وقطاعات أخرى بلغ ما يعادل 538 ألف برميل مكافئ نفط
يوميا، و تجدر الإشارة، بأن استخدام مصطلح"برميل مكافئ
نفط" كوحدة لقياس كميات مشتقات النفط والغاز إلى وحدة متماثلة
لغرض الاحصاء وحسابات أخرى.
ارقام واحصائيات
وبين ان 52%تقريبا من مجموع الاستهلاك المحلي يذهب إلى قطاع توليد
الكهرباء وتحلية المياه، و27% للقطاع الصناعي (بما فيه القطاع النفطي)، 20% لقطاع
المواصلات، و1% للقطاع السكني، وطبقا لإحصاءات وزارة الكهرباء والماء لعام 2012،
فقد كان الاستهلاك المحلي للطاقة الكهربائية 63 مليون ميغاواط ساعة، مضيفا ان
النصيب الأكبر غالبا ما يكون للقطاع السكني من الطاقة الكهربائية بنسبة 60%،
والقطاع الصناعي 20%، والقطاع الحكومي والتجاري 19%، والزراعي 1%. وتعتبر أنظمة
تكييف الهواء المستهلك الأكبر للكهرباء في مواسم الصيف.
واردف ان نسبة استهلاكها للكهرباء تصل إلى 70%، طبقبا لدراسة حديثة
لمعهد الكويت للأبحاث العلمية، بينما مجموع انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون لعام
2011 من محطات التوليد كان 43 مليون طن.
استهلاك غير مستدام
اشار د. اسامة الصايغ الى أكثر من 90% من مدخول الكويت يعتمد على عوائد
مبيعات النفط، ومع زيادة التعداد السكاني والنمو العمراني، فإنه من المتوقع أن يصل
الاستهلاك المحلي من الوقود إلى مليون برميل مكافئ نفط يوميا في عام 2030، بينما
متوقع ان يصل نصيب قطاع الكهرباء والماء من هذا الاستهلاك المحلي من الوقود النفطي
إلى مايقارب 500ألف برميل مكافئ نفط يوميا.
ولفت الى ان مجموع انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون لعام 2030 من محطات
التوليد ستصل إلى 65 مليون طن ، حسب دراسة حديثة لمعهد الكويت للأبحاث العلمية،
مضيفا ان نصيب كل فرد من العائدات النفطية في نقصان وهذا سينعكس سلبا على خطط
تنمية للبلاد والأجيال القادمة، و طبقا للإحصائيات المذكورة أعلاه، يتبين أن نمط
استهلاكنا للطاقة غير مستدام وسيكون له الأثر السلبي المباشر على اقتصاد البلاد
وبيئته.
تحديات
بين د.اسامة الصايغ ان التحدي العام الذي تواجهه البلاد يكمن في تنويع
مصادر الدخل، مضيفا ان أكثر من 90% من مدخول الكويت يأتي من عوائد النفط، المحكومة
بالأسواق العالمية، لذا لا يمكن التعويل على ازدهار تلك الأسواق دائما، خاصة ان
حال تلك الأسواق حال أي سوق معرض لدورات خمول وانهيار،مؤكدا ضرورة عدم الإضرار
بعوائد البلاد النفطية من خلال الزيادة الحادة السنوية للاستهلاك المحلي وخاصة
الاستهلاك النفطي والغازي في قطاع توليد الكهرباء وتحلية المياه.
استهلاك جائر
واضاف الصايغ ان أحد التحديات الرئيسية التي تواجهه البلاد في شئون
الطاقة هو الاستهلاك"الجائر" للطاقة، فحسب احصايئة حديثة لوزارة
الكهرباء والماء، وصل استهلاك الفرد للطاقة الكهربائية لعام 2012 إلى 17 ميغاواط
ساعة ، واستهلاك الفرد للمياه لنفس العام 42 الف غالون وهما رقمان عاليان نسبيا
لبلد غير صناعي وصغير في المساحة والسكان، وتتوقع احصاءات الوزارة أن يصل استهلاك
الفرد في عام 2030 إلى27 ميغاواط ساعة و57 الف غالون، أي بزيادة 63% و 40%، على
التوالي، خلال أقل من 20 سنة، موضحا ان هذه الزيادة في الاستهلاك غير ممكنة دون
التأثير السلبي الكبير المباشر على اقتصاد وبيئة البلاد.
نظام طاقة مستدام
أكد د. الصايغ على ضرورة التعامل مع تحدي نمو استهلاك الطاقة وخاصة
الطاقة الكهربائية في الكويت بجدية وبأسرع وقت للحد من تأثيره السلبي على ثروات
وبيئة البلاد، ولما له من تأثير مباشرعلى خطط التنمية و بناء الأجيال القادمة،
لافتا الى اهمية تبني سياسة نظام الطاقة المستدامة من خلال العمل على محورين
متوازيين وهما كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة.
تطوير قواعد الحفاظ على الطاقة
نوه الصايغ الى ان معهد الكويت للأبحاث العلمية عمل مع مؤسسات
الدولة المعنية بالطاقة وخاصة وزارة الكهرباء والماء على مدى العقود الثلاثة
الماضية على تطوير قواعد الحفاظ على الطاقة، مضيفا ان نتائج دراسات المعهد اشارت
الى أن المباني تستهلك النسبة الأعلى من الطاقة الكهربائية من خلال أنظمة تكييف
الهواء والإنارة، ذلك بالرغم من اهتمام الكويت بتطبيق تدابير الحفاظ على الطاقة
المتعلقة في أنظمة تكييف الهواء والإضاءة من خلال برنامج الحفاظ على الطاقة عام
1983.
واكد ان فرص تحسين كفاء استخدام الطاقة لا تزال متوافرة، حيث أوضحت
نتائج دراسات قام بها المعهد أنه بالإمكان توفير من 20% إلى 25% من الطاقة في
المباني الحكومية والتجارية عن طريق إجراءات بسيطة في إدارة عمل الإنارة والأنظمة
المساعدة لتكييف الهواء، مثل المضخات وسخانات الماء، كما بينت الدراسات أنه يمكن
توفير 25% إلى 30% في المباني السكنية المستقبلية عن طريق استخدام النوافذ ذات
الألواح الزجاجية المزدوجة والعاكسة، والجدران العازلة، والإضاءة ذات الكفاءة.
توفير الطاقة في المباني
اوضح د.الصايغ إن استخدام أنظمة التكييف المركزية التي تخدم عدد من
المباني في كل حي في الضواحي السكنية المستقبلية له الدور الأكبر في توفير الطاقة،
أما بالنسبة للمباني السكنية الحالية والتي ربما يصعب فيها عمل
الترميمات اللازمة لتوفير الطاقة، فإنه يمكن استخدام الألواح الكهروضوئية الشمسية
على الأسطح ومظلات مواقف المركبات، واستخدام الإنارة ذات الكفاءة، مشيرا الى ان
توفير 20% إلى 30% من الكهرباء لا يعني خفض مستوى الراحة في المباني ولن يؤدي إلى
التخلي عن الرفاهية في حياتنا اليومية المعتادة.
تبني الطاقة المتجددة
بين الصايغ ان المحور الثاني لنظام الطاقة المستدام هو تبني الطاقة
المتجددة، حيث عمل معهد الكويت للأبحاث العلمية من سبعينات القرن الماضي في أبحاث
الطاقة المتجددة شاملا تكنولوجيا الطاقة الشمسية الحرارية والكهروضوئية والتبريد
والتسخين الشمسي، ولكن توقف العمل بتلك الأبحاث في نهاية ثمانينات القرن نفسه وذلك
لأسباب الجدوى الاقتصادية لتدني أسعار النفط في ذلك الوقت.
واضاف ان عودة العمل بأبحاث الطاقة المتجددة تم في عام
2007 بمبادرة كريمة من حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، وبدعم من
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، حيث تم مسح ميداني أولي لمصادر الطاقة المتجددة ذات
الجدوى في الكويت، وبينت النتائج المواقع الأنسب لاستغلال الطاقة الشمسية الحرارية
والضوئية وطاقة الرياح في بيئة الكويت.
سد احتياجات توليد الكهرباء
واشار الى ان معهد الأبحاث عمل على اعداد دراسة تحليلية لخيارات توليد
الكهرباء المتاحة في الكويت بهدف التنبؤ باتجاهات تطور التقنيات الحديثة وخصائصها
والعوائد الاقتصادية لها باستخدام تقنيات متعددة، لافتا الى ان نتائج الدراسة
اظهرت أن تكنولوجيا الطاقة المتجددة قادرة على سد بعض احتياجات توليد الكهرباء وفي
المقابل سد جزء من الطلب على الطاقة في أوقات الذروة مع فرص توفير الوقود النفطي
اللازم للإنتاج.
وبين ان نتائج التحليل من حيث التكلفة، كشفت أن استهداف نسبة 10% إلى
15% من حاجة الدولة للطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة في عام 2030 يعد
الأنسب اقتصادياً وتقنياً، حيث سيتم توفير ما قيمته 2.3مليار دولار على شكل وقود
نفطي مقارنة مع نظام توليد تقليدي التي تعتمد 100% على النفط والغاز، وفي نفس
العام، سيتم تخفيض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون من 65 طن في السنة إلى 55 طن في
السنة.
واضاف انه يمكن توظيف نظم الطاقة المتجددة كمحطات توليد مركزية تضخ
الطاقة الكهربائية في الشبكة الكهربائية ذات الضغط العالي والمتوسط ويمكن تركيبها
على المباني الحكومية والتجارية والصناعية والسكنية، حيث تزود نقاط في مواقع
مختلفة من الشبكة الكهربائية ذات الضغط المنخفض.
سياسات كفاءة الطاقة
لفت الصايغ الى دارسة مشتركة بين معهد الكويت للأبحاث ووزارة الكهرباء
والماء اكدت بأن تطبيق سياسات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة معا ستؤدي إلى توفير
50% من الطاقة على المدى القصير، و60% على المدى الطويل. أي أنه يمكن توفير بناء
محطات توليد الكهرباء بسعة تصل من6 الاف إلى 10 الاف ميغاواط خلال عشر إلى عشرين
سنة قادمة.
الطريق إلى نظام الطاقة المستدام
أكد د. الصايغ ان الكويت لاتنقصها الموارد المالية لبناء محطات طاقة
متجددة ولا الخبرات ووضع الخطط في صياغة وتبني نظام الطاقة المستدامة، وانما ما
ينقص الكويت حاليا سياسات وتشريعات فاعلة تقنن منهجية وعمل إطار نظام الطاقة
المستدامة، مشيرا الى ان معهد الكويت للأبحاث اعد مؤخرا دراسة خاصة بمراجعة البنية
التحتية والنظم الحالية في الكويت واقترح الإطار العام للتغييرات المطلوبة لتطبيق
قواعد كفاءة الطاقة وتوطين تكنولوجيا الطاقة المتجددة، كما حددت الدراسة أدوار كل
من الحكومة والقطاع الخاص لتأسيس نظام الطاقة المستدام.
كيان مستقل للطاقة
بين الصايغ ضرورة تأسيس كيان وطني مستقل للطاقة (مثلا، مجلس أعلى
للطاقة) ذي خبرة تقنية واقتصادية تكون من مسؤولياته وضع السياسات والإستراتيجيات
المتعلقة بتأمين واستدامة مصادر الطاقة في الكويت والتنسيق بين المؤسسات والجهات
المعنية بالطاقة، مضيفا ان تلك السياسات والاستراتيجيات تدعم سياسة توطين الطاقة
المستدامة والخصخصة وعملية إعادة هيكلة وتأهيل للقطاعين العام والخاص.
ولفت الى ان القطاع العام يحتاج لدوائر وإدارات متخصصة بالطاقة
المتجددة وشئون التركيب وتقنين العلاقة بين المستهلك والمنتج في وزارة الكهرباء
والماء، كما تتطلب سياسة الطاقة المستدامة والخصخصة تغييراً جوهرياً في عمل إدارات
تشغيل شبكات النقل والتوزيع لما للطاقة المتجددة من طبيعة عمل تتسم بعدم
الاستمرارية وارتباط الإنتاج بوقت توافر المصدر سواء كان ذلك من الرياح أو من
الطاقة الشمسية وما لذلك من أثر على شبكات النقل والتوزيع، وبالتالي تتطلب
التغييرات المذكورة أعلاه موارد بشرية مؤهلة. ويحتم ذلك توفير برامج تدريب موجهة
وتوظيف الخبرات المحلية والعالمية في ذلك.
إزالة مخاطر تطوير مشاريع الطاقة
بين الصايغ ان ابرز محاور سياسات الطاقة المستدامة هي،تطبيق قواعد
إدارة الطلب على الطاقة في جميع القطاعات الحكومية والتجارية والسكنية من خلال
ترشيد الطاقة، تحديد التعرفة لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة والتي تأتي
كنتيجة لنموذج خصخصة جزء من قطاع إنتاج الطاقة الكهربائية كما ورد في خطة عمل
الحكومة 2010-2014، مضيفا انه من جهة أخرى فإن المجازفة برؤوس أموال كبيرة وعدم
المعرفة الكلية بأداء نظم الطاقة المتجددة في البيئة المحلية للكويت والتأثر
السلبي المحتمل لعدم استقرار سياسة الطاقة العالمية يجعل الاستثمار في صناعة
الطاقة المتجددة أقل جاذبية للمستثمرين من نظم التوليد التقليدية.
شدد الصايغ على ضرورة تدخل الحكومة في إزالة كل أو بعض المخاطر
المتعلقة بتطوير مشاريع الطاقة المتجددة عن طريق المشاركة في دعم رؤوس الأموال
والإنشاء، لافتا الى ان هذا يساعد على معرفة أداء نظم الطاقة المتجددة في البيئة
المحلية ومن ثم تقدير قيمة التعرفة الإنتاجية بدقة وهذا ما يمكّن المستثمرين من
أخذ زمام المبادرة في المراحل التالية لإنتاج الكهرباء والتوسع فيها، كما يجب سن تشريعات
تعمل على تسهيل منح العقود على أساس أو معيار تقني وليس سعر التكلفة ، واختيار
أفضل العطاءات من حيث التطوير على المستوى الفني والتعليمي والتدريبي.